تأسست خدمة الهاتف الإسلامي عام 2000 فى جمهورية مصر العربية ، وهى خدمة دينية إسلامية وسطية.. |    
 
 
   
Urdu English الاتصال بنا روابط اخرى فتاوى شائعة من نحن Q & A الرئيسية
 
 

 

 
 

       

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الكتاب الخاصة بقلم الأستاذ الدكتور/ محمد رأفت عثمان

العميد السابق لكلية الشريعة والقانون- جامعة الأزهر

 

أحمد الله تبارك وتعالى، وأستعينه، وأستهديه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.  وبعد،

فقد طلب منى الأستاذ/ شريف عصمت عبد المجيد رئيس مجلس إدارة خدمة الهاتف الإسلامي إعداد مقدمة للكتاب عن الفتوى ويُسر الأحكام فى الشريعة، نظراً لما لوحظ من أن بعض الفتاوى تصدر بصورة متشددة مع أن اليسر فى الأحكام هو من أسس التشريع الإسلامي كما بين الله عز وجل فى قوله الكريم ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾.   

ومن الأمور المستقرة فى الفقه الإسلامي أن المسائل الظنية قابلة لتعدد الآراء مادام صاحب الرأى الفقهي قد بنى رأيه على دليل من الأدلة التى هى من مصادر التشريع الإسلامي، فلم يقل أحد من أئمة الفقه الإسلامي وأعلامه الكبار ولا غير الفقه من العلوم الشرعية، أن رأيه هو الحق الذى لا شيء فيه، وهذا بحسب ما علمنا عنهم، وإنما الثابت المنقول عنهم أنهم كانوا يحترمون أصحاب الآراء الأخرى المخالفة لما يرونه، ولهذا وجدنا كتب الفقه وغيره من العلوم الشرعية  فيها الكثير من الآراء المخالفة لما يراه صاحب الكتاب، منسوبة إلى أصحابها مقرونة بدعاء المؤلف بقوله: رحمه الله تعالى.

ونُقل عن الشافعي رضى الله عنه قوله: رأى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب، ونُقل عن أبي حنيفة رضى الله عنه قوله: علمنا هذا رأى، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن أتانا بخيرٍ منه قبلناه. فلا عصمة لقول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى هذا المجال وجدنا عبد الله بن عباس وعطاء ومجاهداً ومالك بن أنس رضى الله عنهم يقولون: ما من أحد إلا ومأخوذ من كلامه، ومردود عليه، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم([1]). 

وقد أدى إختلاف الرأى بين الفقهاء فى المسألة الواحدة إلى إثراء الفقه الإسلامي وإتساعه، فلم تكن آراء فقهاء الإسلام كأنها نماذج فى مصنع صُنعت فى قالب واحد، وإنما تنوعت، وتعددت فى القضايا التى تحدث وتجد فى حياة الأفراد والجماعات والدول بصورة تبين عظمة وإحترام مبدأ حرية الرأى وسموه فى شريعة الإسلام.

ولولا حرية الرأى فى الشريعة الإسلامية وإحترامها فيها، ما رأينا هذا التراث الضخم العالى من الفقه الإسلامي، ومع كثرة الرؤى وتعددها بين المذاهب الفقهية، فإن السمة الغالبة على علمائنا العظام كانت عدم التقليل من شأن الآخرين، ولم توجد روح التعصب للرأى إلا فى بعض صور تعصب فيها البعض لمذاهبهم، وكان هذا مخالفاً لصاحب المذهب نفسه، وكان هذا فى حال قليلة بحسب ما نعلم، ولم يوجد هذا المسلك إلا حينما ساد التعصب للمذاهب، مع أن أئمة المذاهب لم يحدث منهم التعصب لمذاهبهم، فقد نُقل عن أحد علماء الفقه الحنفي المغالاة فى هذا الشأن، وهو عبيد الله بن الحسن الكرخي الذى توفى سنة340ھ قال: "كل آية تخالف ما عليه أصحابنا (يعنى كبار فقهاء الحنفية) فهى مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ.([2])

وكان هذا القول شذوذاً عن القاعدة المستقرة التى سار عليها الأئمة أصحاب المذاهب، ولم يكن هذا القول إلا تعبيراً عن سريان روح التقليد للأئمة سرياناً عاماً فى أحد أدوار الفقه الإسلامي المتسمة بالبعد عن الإجتهاد([3]) مع أنه لا أبا حنيفة نفسه صاحب المذهب الذى ينتمى إليه هذا الفقيه، ولا أحداً من الأئمة أصحاب المذاهب الفقهية أدعى إحتكار الحق فى جانبه وعدم قابلية ما يراه للتصويب، فكان الأئمة يصرحون بجواز أن يقع الواحد منهم فى الخطأ فى إستنباط الأحكام، حتى أثر عن غير واحد منهم قوله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عرض الحائط "، وهو منهج فى العلم تبعوا فيه جيل الصحابة رضى الله عنهم، فقد كان أبو بكر رضى الله عنه يقول إذا إجتهد برأيه فى مسألة من المسائل: "هذا رأيى فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمنى وأستغفر الله"، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكاتبه عندما كتب: هذا ما يراه الله وما يراه عمر قال عمر له: "بئس ما قلت، قل: هذا ما رأى عمر، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يك خطأ فمن عمر، وقال: السنة ما سنه الله ورسوله، لا تجعلوا خطأ الرأى سنة للأمة".([4])

وعندما توجه البعض إلى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه يسأله عن حكم امرأة توفى عنها زوجها ولم يُفرض لها مهراً، جعل يرد السائل شهراً، وقال بعد الشهر: أقول فيها برأيى، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمن ابن أم عبد، لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط، ولها الميراث وعليها العدة.

فلا مانع أن تتعدد الآراء، ولا عصمة لقول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيكون فى هذا الكتاب آراء لعلماء من الأزهر خالفوا فيها بعض الآراء التى صدرت ممن سبقهم فى الرأى فيها من العلماء، وهذا كما بينا أمر لا شائنة فيه مادامت المسألة من المسائل من الظنية التى تحتمل الرأى والرأى الآخر، والرأى فيها مبنى على دليل معتبر.

والله الموفق الهادي إلى سواء السبيل.

فى يوم الإثنين 28 من صفر 1430ھ

الموافق 23 من فبراير 2009م                            

د. محمد رأفت عثمان              

أستاذ الفقه المقارن وعضو مجمع البحوث الإسلامية

 


[1]  الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف في الأحكام الفقهية، لشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي صـ20 المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1385هـ

[2]  تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد الخضرى صـ325 ، صـ347

[3]  تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد الخضرى صـ325 ، صـ347

[4]  تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد الخضرى صـ117، صـ118.